mardi 12 février 2008

الشاي ومريم




تسبح في ذكرياتك القديمة، وتمتد بك سباحتك لترميك في نقطة بعيدة عن الشاطئ الذي انطلقت من عنده، عندها تشعر بأنك تعيش في خيال أو في حلم يمتد بلا نهاية ... بكاء الطفل يقطع عليك شريط ذكرياتك، تنظر إليه بلهفة كبيرة... تحس بالإشفاق عليه عندما يغرق وجهه في الدموع، تهم بالاقتراب منه لاحتضانه... لكن أمه تهرع وتمسك به قبل أن تصل إليه، تحملق في الأم وهي تحتضن رضيعها، فتشعر بالأسف .. وتتحسر بمرارة... فجأة تشعر بأن شيئا ما جعل الدموع تقترب من مقلتيك:-" المسكين لو كان يعلم إين أباه لأختنق من البكاء".تزدرد ريقك بصعوبة... فتسخر من نفسك، ومن تصوراتك السخيفة... طفل صغير مادخله في أبيه، لايهمه سوى السكوت في أحضان أمه والحليب من ثدييها... لكن لا عليك فالحسرة على الأب الذي دفعته المقادير إلى الهجرة جعلتك تفكر بهاته السذاجة. تعب من الهواء نفسا عميقا ثم تقول وأنت تنظر إليها بصوت منخفض كالهمس: - "أريد شايا يا مريم".تبتسم في وجهك لأول مرة منذ دخلت، وتومئ لك برأسها إيماءة مبهمة لا تعرف.. هل هي دليل الموافقة أم التردد.. أم الرفض ؟. تشعر بالخجل فيصعد الدم إلى وجهك دفعة واحدة لأنك تذكرت بأن زوجها المهاجر لايحب الشاي إلا من يديها، ويغضب إذا وجدك تشاركها متعة الشاي من دونه... ولكن لا عليك مادام كان من أعز أصدقائك، وفوق ذلك حملك جريحا ملطخا بالدماء في معركة "حوزة" ... فلتشرب الشاي مع مريم، وليكن الطفل الصغير ممثلا عن أبيه الغائب.تبتلع الجرعة الأولى من شاي مريم، فتقول محدثا نفسك وأنت تمعن النظر في وجهها الجميل:- "لو كنت مكان محمدسالم ما هاجرت... وردة جميلة كمريم يجب أن لاتترك في صحراء قاحلة كهاته...".وتبتلع ثلاثة كؤوس شاي في ظرف ساعة من الزمن، وبينما أنت تتلذذ بطعم الشاي في فمك تجد نفسك تقول بلا وعي تقربيا :- "براد جدنا ... هه..".وكأنك تريد أن ترتوي ... فشاي مريم ينشر في عروقك الأمل والحب والإحساس بالجمال... في هذه اللحظة بالذات ترمقك بعينيها الجميلتين قائلة :- "أتعرف لماذا هاجر محمد سالم..؟"تجول ببصرك في أرجاء الخيمة الفسيحة... كأنك تبحث عن جواب ضائع، وعندما تطرق ببصرك الى حيث أصابعك وهي تعبث بقارورة العطر الموضوعة أمامك، تقول لك بصوت ناعم يحمل لغة التحدي والإصرار:- "لقد هاجر وهو يحمل الوطن في أحشاءه"أردفت بينما بدأ العرق يتسرب الى جبينك كمن ينتظر جوابا كالصاعقة :- "...وهاجر ليأتي بثمن الشاي والسكر.. والحليب لطفلنا.."
عبدالله محمد محمدنا
upes

Aucun commentaire: